فصل: قال الدكتور محمد أبو شهبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

.قال الدكتور محمد أبو شهبة:

.فصل في إسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لما ألقى الألواح:

ومن الإسرائيليات: ما رواه ابن جرير في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهما في سبب غضب سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حتى ألقى الألواح من يديه، وذلك في قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ1 وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150].
فقد روي عن قتادة أنه قال: نظر موسى في التوراة، فقال: رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، اجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون- أي: آخرون في الخلق- سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم، يقرءونها، وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا، ولم يعرفوه، وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول، وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فصول الضلالة، حتى ليقاتلون الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها، وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة، فقبلت منه بعث الله نارا فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة، إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون، والمشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال قتادة: فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة محمد.
أقول: إن آثار الوضع والاختلاق بادية عليه، والسند مطعون فيه، وهي أمور مأخوذة من القرآن، والأحاديث، ثم صيغت هذه الصياغة الدقيقة، وجعلت على لسان موسى عليه السلام والظاهر المتعين أن إلقاء سيدنا موسى بالألواح إنما كان غضبا وحمية لدين الله وغيره لانتهاك حرمة توحيد الله تبارك وتعالى وأما ما ذكره قتادة فغير مسلم.
وإليك ما قاله الإمام الحافظ الناقد ابن كثير في تفسيره قال: ثم ظاهر السياق أنه- أي: سيدنا موسى- ألقى الألواح؛ غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرد، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذابون، ووضاعون، وأفاكون، وزنادقة.
وصدق ابن كثير فيما قال، وأرجح أن يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الأنبياء بمظر المتحاسدين، لا بمظهر الإخوان المتحابين.
وقال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} أي: مما اعتراه من الغضب والأسف، حين أشرف على قومه، وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم، قاله سعيد بن جبير ولذا قيل: «ليس الخبر كالمعاينة»، ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح، ولا يصح أن إلقاء الألواح إنما كان لما رأى من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأمته، وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى عليه السلام.
ومما يؤيد أنه من وضع الإسرائيليين الدهاة أن نحوا من هذا المروي عن قتادة قد وراه الثعلبي وتلميذه البغوي عن كعب الأحبار ولا خلاف إلا في تقديم بعض الفضائل وتأخير البعض الآخر، إلا أنه لم يذكر إلقاء الألواح في آخره: فلما عجب موسى من الخبر الذي أعطى الله محمد وأمته قال: يا ليتني من أصحاب محمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} إلى قوله: {دَارَ الْفَاسِقِين}، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: فرضى موسى كل الرضاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
في قوله: {سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} أقوال:
القول الأول: أن هذا الكلام خرج على قانون الاستعارة كأن الغضب كان يقويه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا وكذا، وألق الألواح وخذ برأس أخيك إليك، فلما زال الغضب، صار كأنه سكت.
والقول الثاني: وهو قول عكرمة، أن المعنى: سكت موسى عن الغضب وقلب كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأسي، والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة.
القول الثالث: المراد بالسكوت السكون والزوال، وعلى هذا جاز {سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} ولا يجوز صمت لأن {سَكَتَ} بمعنى سكن، وأما صمت فمعناه سد فاه عن الكلام، وذلك لا يجوز في الغضب.
المسألة الثانية:
ظاهر الآية يدل على أنه عليه السلام لما عرف أن أخاه هارون لم يقع منه تقصير وظهر له صحة عذره، فعند ذلك سكن غضبه.
وهو الوقت الذي قال فيه: {رَبِّ اغفر لِى وَلأَخِى} [الأعراف: 151] وكما دعا لأخيه منبهًا بذلك على زوال غضبه، لأن ذلك أول ما تقدم من أمارات غضبه على ما فعله من الأمرين، فجعل ضد ذينك الفعلين كالعلامة لسكون غضبه.
المسألة الثالثة:
قوله: {أَخَذَ الالواح} المراد منه الألواح المذكورة في قوله تعالى: {وَأَلْقَى الالواح} [الأعراف: 150] وظاهر هذا يدل على أن شيئًا منها لم ينكسر ولم يبطل، وأن الذي قيل من أن ستة أسباع التوراة رفعت إلى السماء ليس الأمر كذلك وقوله: {وَفِى نُسْخَتِهَا} النسخ عبارة عن النقل والتحويل فإذا كتبت كتابًا عن كتاب حرفًا بعد حرف.
قلت: نسخت ذلك الكتاب، كأنك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني.
قال ابن عباس: لما ألقى موسى عليه السلام الألواح تكسرت فصام أربعين يومًا، فأعاد الله تعالى الألواح وفيها عين ما في الأولى، فعلى هذا قوله: {وَفِى نُسْخَتِهَا} أي وفيما نسخ منها.
وأما إن قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها، ولا شك أنها كانت مكتوبة من اللوح المحفوظ فهي أيضًا تكون نسخًا على هذا التقدير وقوله: {هُدًى وَرَحْمَةٌ} أي {هُدًى} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ} من العذاب {لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} يريد الخائفين من ربهم.
فإن قيل: التقدير للذين يرهبون ربهم فما الفائدة في اللام في قوله: {لِرَبِّهِمْ}.
قلنا فيه وجوه: الأول: أن تأخير الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفًا فدخلت اللام للتقوية، ونظيره قوله: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] الثاني: أنها لام الأجل والمعنى: للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة.
الثالث: أنه قد يزاد حرف الجر في المفعول، وإن كان الفعل متعديًا كقولك قرأت في السورة وقرأت السورة، وألقى يده وألقى بيده، وفي القرآن {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} [العلق: 14] وفي موضع آخر {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله} فعلى هذا قوله: {لِرَبِّهِمْ} اللام صلة وتأكيد كقوله: {رَدِفَ لَكُم} وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم رجع إلى قصة موسى عليه السلام وهو قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب أَخَذَ الألواح} يعني لما سكت عن موسى الغضب.
ويقال: ولما سكت موسى عن الغضب {أَخَذَ الالواح وَفِى نُسْخَتِهَا} يعني: في بقيتها فنسخت له الألواح، وأعيدت له في اللوحتين مكان التي انكسرت.
{هُدًى وَرَحْمَةً} يعني: فيما بقي منها بيانًا من الضلالة ورحمة من العذاب.
{لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} يعني: يخافون الله ويعملون له بالغيب.
ويقال: وفي نسختها يعني: في كتابها هدى من الضلالة ورحمةٌ من العذاب للذين يخشون ربهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى} يعني سكن عن موسى {الغضب} يدلّ عليه قراءة معاوية بن مغيرة: ولمّا سكن، بالنون.
قال أبو النجم:
وهمت الأفعى بأن تسيحا ** وسكت المكاء أن يصيحا

وأصله الكف عن الشيء، ومنه الساكت عن الكلام.
{أَخَذَ الألواح} التي ألقاها وذهب منها ستة أسباعها {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي فما نسخ منها.
قال عطاء: يعني فيما بقي منها، ولم يذهب من الحدود والأحكام شيء فقال ابن عباس: وعمرو بن دينار: صام موسى أربعين يومًا فلمّا ألقى الألواح فتكسّرت صام مثلها فردّت عليه وأُعيدت له في لوحين مكان الذي انكسر ولم يفقد منها شيئًا {هُدًى وَرَحْمَةٌ}.
قال ابن عباس: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} يخلفون وقال الراجز:
يصنع الجزع فيها أو استحيوا ** للماء في أجوافها خريرًا

أي من أصل الجزع. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ}.
معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام لما سكن غضبه أخذ الألواح التي كان ألقى، وقد تقدم ما روي أنه رفع أكثرها أو ذهب في التكسير، وقوله: {سكت} لفظة مستعارة شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته، قال يونس بن حبيب: تقول العرب سال الوادي يومين ثم سكت، وقال الزجاج وغيره: مصدر قولك سَكَتَ الغضب، سكْت، ومصدر قولك سكت الرجل سكوت، وهذا يقتضي أنه فعل على حدة وليس من سكوت الناس، وقيل إن في المعنى قلبًا، والمراد ولما سكت موسى عن الغضب فهو من باب أدخلت فمي في الحجر وأدخلت القلنسوة في رأسي، وفي هذا أيضًا استعارة، إذ الغضب ليس يتكلم فيوصف بالسكوت، وقرأ معاوية بن قرة: {ولما سكن}، وفي مصحف حفصة {ولما سكت}، وفي مصحف ابن مسعود {ولما صبر عن موسى الغضب}، قال النقاش: وفي مصحف أبيّ: {ولما اشتق عن موسى الغضب}، وقوله: {وفي نسختها} معناه وفيما ينسخ منها ويقرأ، واللام في قوله: {لربهم} يحتمل وجوهًا، مذهب المبرد أنها تتعلق بمصدر كأنه قال الذين رهبتهم لربهم، ويحتمل أنه لما تقدم المفعول ضعف الفعل فقوي على التعدي باللام، ويحتمل أن يكون المعنى: هم لأجل طاعة ربهم وخوف ربهم يرهبون العقاب والوعيد ونحو هذا. اهـ.